مثلما نعلم شهدت مدينة سوسة يوم الأحد 7 نوفمبر 2021 اختتام الجزء الأول من الحملة الميدانية للتحسيس بحق النفاذ إلى القضاء الإداري من خلال الخيمة التي تم تركيزها بساحة ” سوسة سنتر ” من أجل تقديم كل ما يلزم من معطيات ومعلومات لفائدة المواطنين و إعلامهم وإحاطتهم بكل ما يريدون معرفته عن حقوقهم والمؤسسات القانونية المعنيّة والآليات السهلة والناجعة التي تمكّنهم من النفاذ إلى العدالة الإدارية.
وقد لاحظنا أن علاقة المواطن بالقضاء الإداري تكاد تكون ” رمزية ” و أن أغلب المواطنين الذين حضروا واستفسروا وتلقّوا المعلومة من قبل المنظمين والخبراء المتعاونين لا يعرفون ما معنى القضاء الإداري ولا يعرفون أن من حقّهم المطلق اللجوء إلى القضاء الإداري كلّما تضرر أحدهم من قبل أيّة إدارة تونسية مهما كانت.
وعلى هذا الأساس اغتنمنا فرصة وجود الأستاذ حافظ البريقي ( المحامي وأستاذ القانون بكلية الحقوق بسوسة ) الذي شارك في مرحلة القيروان ثم سوسة متطوّعا لنطرح عليه جملة من الأسئلة فأجابنا عنها بما نرى أنه مفيد جدّا للمواطن حيثما كان في هذه المسألة المهمّة جدا وهي القضاء الإداري وحق المواطن في النفاذ إليه.
* من خلال مشاركتك في مرحلتي القيروان وسوسة كيف تقيّم علاقة المواطن بالقضاء الإداري ؟
لقد لاحظت حتى من قبل انطلاق هذه الحملة وبحكم مهنتي وخبرتي أن المواطن التونسي بدأ يكتسب عادة اللجوء إلى القضاء الإداري خاصة بعد أن أصبح عدد المحاكم الإدارية في الجهات 12 محكمة علما بأننا لم نكن نملك إلا محكمة إدارية واحدة بالعاصمة . لذلك أرى أنه من الضروري جدا تعميم هذه المحاكم على كافة جهات البلاد حتى يتمكّن المواطن في كافة أنحاء البلاد من السعي وراء حقّه والحصول عليه.
* لاحظنا كذلك من خلال مناقشاتك مع الناس أن أغلبهم لا يفرّقون بين القضاء العادي والقضاء الإداري فهل تبسّط لهم الفرق بكل اختصار؟
المواطن التونسي يتعامل يوميّا وبصفة مباشرة مع الإدارة التونسية وهذه الأخيرة يمكن أن ترتكب أخطاء أو أن تتعسّف على المواطن من خلال بعض القرارات. لذلك ليس للمواطن في مثل هذه الحالات إلا اللجوء إلى القضاء الإداري لأنه الجهة الوحيدة التي تنصفه من تعسّف الإدارة وهو الجهة الوحيدة التي تتكفّل بالنظر في كافة القرارات والممارسات الإدارية التي يمكن أن تلحق الضرر بالمواطن. أما القضاء العدلي ( وليس العادي ) فهو يختصّ بالنظر في كافة القضايا الأخرى على غرار جرائم الحق العام والنزاعات المدنية أو التجارية وغيرها من القضايا في المجتمع.
* هناك عبارة ردّدتها أكثر من مرة وهي ” تعسّف الإدارة على المواطن ” فهل من تفسير أكثر لهذه العبارة؟
هذه العبارة هي بالفعل صلب الموضوع وفهمها يجعلك تفهم الموضوع كلّه . فالإدارة التونسية قد تتخذ قرارا بفصل موظّف لأنه تغيّب عن عمله 3 أيام على سبيل المثال. هذا القرار يعتبر من قبيل التعسّف على المواطن لأنه لا يطابق الفعل الذي اقترفه الموظف. كما أن البلدية مثلا يمكن أن تصدر قرارا في هدم بناية ضد مواطن يرى أنه في وضعيّة سليمة وقانونية… وقس على ذلك من قرارات يمكن أن تهضم جانب المواطن . هنا تأتي قيمة المعرفة إذ لا يمكن للمواطن الذي يعتبر نفسه متضررا من الإدارة أن يشكوها إلى القضاء العدلي لأن الشكوى سترفض حتما لعدم الاختصاص. لذلك يتحتّم على المواطن المتضرر أن يلجأ إلى القضاء الإداري الذي ينظر في المسألة وينصفه إذا كان صاحب حق.
* سمعنا أيضا سؤالا تردد أكثر من مرّة وهو : لماذا لا يتم تنفيذ عدد كبير من الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية فهل من توضيح ؟
بالفعل هذا الأمر مهمّ جدا. فنحن نلجأ إلى القوة العامة مثلا في تنفيذ الأحكام العدلية لكن القانون الموجود في تونس لا يعطي حق الإستعانة بالقوة العامة لتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية . وفي هذه الحالة يمكن لصاحب الضرر أن يتابع قضيته من خلال المطالبة بالتعويض الذي تقضي به المحكمة الإدارية عادة ويتم تمكين المتضرر منه . وفي انتظار أن تتحسّن الأمور في هذا المجال هناك اليوم مشروع لمجلة القضاء الإداري التي ستمكّن من تدارك هذا الأمر من خلال إيجاد صيغة ربما إلزامية لتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية. لكن هناك أمر أعتبر أنه أخطر من عدم تنفيذ تلك الأحكام وهو البطء في إصدار الأحكام . ففي كثير من الحالات تصدر المحكمة الإدارية أحكاما منصفة للمواطن المتضرر لكن بعد فوات الأوان ومضيّ وقت تكون فيه أمور كثيرة قد تغيّرت ويصبح ربما من الصعب أو المستحيل تنفيذ تلك الأحكام.
* بماذا تختم هذا اللقاء أستاذنا الكريم ؟
أودّ في البداية أن أشدّ على منظّمي هذه الحملة نظرا إلى أهميّة الموضوع المطروح وهو القضاء الإداري وحق المواطن في اللجوء إليه من أجل الإنصاف. فالموضوع يكاد يكون جزءا من الحياة اليومية للمواطن التونسي الذي يتعامل مثلما قلت يوميا مع الإدارة . والمواطن الذي يدرك يوما أن من حقّه أن يقاضي أية إدارة يرى أنها ظلمته أو تعسّفت عليه لن يترك في المستقبل حقّه يضيع مثلما حدث في كثير من الأحيان إما بسبب جهل المواطن بحقوقه وإما بسبب بعد المحكمة الإدارية الوحيدة التي كانت بالعاصمة . وكي أختم أقول إن الدولة التونسية ( وأيّة دولة في العالم ) لا يمكن أن تدّعي أنها دولة قانون طالما أنها لا تنضبط وتلتزم بتطبيق قانونها … وأقصد هنا مسألة تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية.
أجرى الحديث في سوسة : جمال المالكي
Leave A Comment